فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (194):

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)}
{إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة. {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} من حيث إنها مملوكة مسخرة. {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صادقين} أنهم آلهة، ويحتمل أنهم لما نحتوها بصور الأناسي قال لهم: إن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض، ثم عاد عليه بالنقض فقال:

.تفسير الآية رقم (195):

{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)}
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} وقرئ: {إِنَّ الذين} بتخفيف {أَن} ونصب {عِبَادِ} على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية ولم يثبت مثله، و{يَبْطِشُونَ} بالضم هاهنا وفي (القصص) و(الدخان). {قُلِ ادعوا شُرَكَاءكُمْ} واستعينوا بهم في عداوتي. {ثُمَّ كِيدُونِ} فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر، وهي أنتم وشركاؤكم. {فَلاَ تُنظِرُونِ} فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه.

.تفسير الآية رقم (196):

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
{إِنَّ وَلِيّىَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب} القرآن. {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلاً عن أنبيائه.

.تفسير الآية رقم (197):

{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)}
{والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم.

.تفسير الآية رقم (198):

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}
{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه.

.تفسير الآية رقم (199):

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}
{خُذِ العفو} أي خذ مَا عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تطلب ما يشق عليهم، من العفو الذي هو ضد الجهد أو {خُذِ العفو} عن المذنبين أو الفضل وما يسهل من صدقاتهم، وذلك قبل وجوب الزكاة. {وَأْمُرْ بالعرف} المعروف المستحسن من الأفعال. {وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم، وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق آمرة للرسول باستجماعها.

.تفسير الآية رقم (200):

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}
{وَأَمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} ينخسنك منه نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب وفكر، والنزغ والنسغ والنخس الغرز شبه وسوسته إغراء لهم على المعاصي وإزعاجاً بغرز السائق ما يسوقه. {فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ} يسمع استعاذتك. {عَلِيمٌ} يعلم ما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه، أو {سَمِيعُ} بأقوال من آذاك عليهم بأفعاله فيجازيه عليها مغنياً إياك عن الانتقام ومشايعة الشيطان.

.تفسير الآية رقم (201):

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}
{إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مّنَ الشيطان} لمة منه، وهو اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم، أو من طاف به الخيال يطيف طيفاً. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب: {طيف} على أنه مصدر أو تخفيف {طيف} كلين وهين، والمراد بالشيطان الجنس ولذلك جمع ضميره. {تَذَكَّرُواْ} ما أمر الله به ونهى عنه. {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} بسبب التذكر مواقع الخطأ ومكايد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها، والآية تأكيد وتقرير لما قبلها وكذا قوله:

.تفسير الآية رقم (202):

{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}
{وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ} أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا بمدهم الشياطين. {فِى الغى} بالتزيين والحمل عليه، وقرئ: {يَمُدُّونَهُمْ} من أمد ويمادونهم كأنهم يعينونهم بالتسهيل والإغراء وهؤلاء يعينونهم بالاتباع والامتثال. {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} ثم لا يمسكون عن اغوائهم حتى يردوهم، ويجوز أن يكون الضمير للإخوان أي لا يكفون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين، ويجوز أن يراد بال {إخوان} الشياطين ويرجع الضمير إلى {الجاهلين} فيكون الخبر جارياً على ما هو له.

.تفسير الآية رقم (203):

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِئَايَةٍ} من القرآن أو مما اقترحوه. {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} هلا جمعتها تقولاً من نفسك كسائر ما تقرؤه أو هلا طلبتها من الله. {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى} لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها. {هذا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} هذا القرآن بصائر للقلوب بها يبصر الحق ويدرك الصواب. {وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سبق تفسيره.

.تفسير الآية رقم (204):

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
{وَإِذَا قُرِئ القرءان فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإِمام والإِنصات له. وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقاً، وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة. واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف.

.تفسير الآيات (205- 206):

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
{واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} عام في الأذكار من القراءة والدعاء وغيرهما، أو أمر للمأموم بالقراءة سراً بعد فراغ الإمام عن قراءته كما هو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه. {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} متضرعاً وخائفاً. {وَدُونَ الجهر مِنَ القول} ومتكلماً كلاماً فوق السر ودون الجهر فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص. {بالغدو والأصال} بأوقات الغدو والعشيات. وقرئ: {والايصال} وهو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل وهو مطابق للغدو. {وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين} عن ذكر الله.
{إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ} يعني ملائكة الملأ الأعلى. {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ} وينزهونه. {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول: يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» وعنه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس ستراً وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة».

.سورة الأنفال:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنفال} أي الغنائم يعني حكمها، وإنما سميت الغنيمة نفلاً لأنها عطية من الله وفضل كما سمي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه. {قُلِ الأنفال لِلَّهِ والرسول} أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره الله به. وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار. وقيل شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله، فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلاً فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا رِدْءاً لكم وفئة تنحازون إلينا، فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء، ولهذا قيل: لا يلزم الإمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي الله عنه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال: ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلاً حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه. وقرئ: {يسألونك علنفال} بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها، ويسألونك الأنفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم. {فاتقوا الله} في الاختلاف والمشاجرة. {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول. {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فيه. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن الإيمان يقتضي ذلك، أو إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة: طاعة الأوامر، والاتقاء عن المعاصي، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان.

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)}
{إِنَّمَا المؤمنون} أي الكاملون في الإيمان. {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فزعت لذكره استعظاماً له وتهيباً من جلاله. وقيل هو الرجل يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفاً من عقابه. وقرئ: {وَجِلَتْ} بالفتح وهي لغة، وفَرَقَتْ أي خافت. {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} لزيادة المؤمن به، أو لاطمئنان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلة، أو بالعمل بموجبها وهو قول من قال الإِيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه. {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يفوضون إليه أمورهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه.

.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ}.

.تفسير الآية رقم (4):

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
{أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً} لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل، ومحاسن أفعال الجوارح التي هي العيار عليها من الصلاة والصدقة، و{حَقّاً} صفة مصدر محذوف أو مصدر مؤكد كقوله: {وَعْدَ الله حَقّا}. {لَّهُمْ درجات عِندَ رَبّهِمْ} كرامة وعلو منزلة. وقيل درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم. {وَمَغْفِرَةٌ} لما فرط منهم. {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أعد لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده.

.تفسير الآيات (5- 8):

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له، وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة. أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله: {لِلَّهِ والرسول} أي الأنفال ثبتت لله والرسول صلى الله عليه وسلم مع كراهتهم ثباتاً مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك، يعني المدينة لأنها مهاجرة ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم. {وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين لَكَِّرِهُونَ} في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم، وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال، فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة، فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول، عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً، وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منها، فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال: ما ترضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم، فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوماً في السنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش، فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم: هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنما خرجنا للعير، فردد عليهم وقال أن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال: أنظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال مقداد بن عمرو: امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «أشيروا عليَّ أيها الناس» وهو يريد الأنصار لأنهم كانوا عددهم وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم برآء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم، فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال: أجل، قال: آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فنشطه قوله ثم قال: «سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» وقيل: «إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر قيل له: عليك بالعير فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له لم فقال: لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك، فكره بعضهم قوله». {يجادلونك فِي الحق} في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه. {بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} لهم أنهم ينصرون أينما توجهوا بإعلام الرسول عليه الصلاة والسلام. {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ} أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ روي أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان، وفيه إيماء إلى أن مجادلتهم إنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم. {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين} على إضمار اذكر، وإحدى ثاني مفعولي {يَعِدُكُمُ} وقد أبدل منها. {أَنَّهَا لَكُمْ} بدل الاشتمال. {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارساً ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمْ، وعُدَدِهِمْ والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك: {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ} أي يثبته ويعليه. {بكلماته} الموحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالإِمداد، وقرئ: {بكلمته}. {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} ويستأصلهم، والمعنى: أنكم تريدون أن تصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين.
{لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} أي فعل ما فعل وليس بتكرير، لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها. {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} ذلك.